فصل: خبر الاسماعيلية بالشام.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.خبر الاسماعيلية بالشام.

لما قتل أبو إبراهيم الاستراباذي ببغداد كما تقدم هرب بهرام ابن أخيه إلى الشام وأقام هنالك داعية متخفيا واستجاب له من الشام خلق وكان الناس يتبعونهم لكثرة ما اتصفوا به من القتل غدرا وكان أبو الغازي بن أرتق بحلب يتوصل بهم إلى غرضه في أعدائه وأشار أبو الغازي على ابن طغتكين الأتابك بدمشق بمثل ذلك فقبل رأيه ونقل إليه فأظهر حينئذ شخصه وأعلن بدعوته وأعانه الوزير أبو علي ظاهر بن سعد المزدغاني لمصلحتهم فيه فاستفحل أمره وكثر تابعوه وخاف من عامة دمشق فطلب من ابن طغتكين ووزيره أبي علي حصنا يأوي إليه فأعطوه قلعة بانياس سنة عشرين وخمسمائة وترك بدمشق خليفة له يدعو الناس إلى مذهبة فكثروا وانتشروا وملك هو عدة حصون في الجبال منها القدموس وغيره وكان بوادي التيم من أعمال بعلبك طوائف من المجوس والنصرانية والدرزية وأميرهم يسمى الضحاك فسار بهرام لقتالهم سنة سنة اثنتين وعشرين واستحلف على بانياس إسمعيل من أصحابه ولقيهم الضحاك في ألف رجل وكبس عسكره فهزمهم وقتله وعاد فلهم إلى بانياس فأقام بأمرهم إسمعيل وجمع شملهم وبث دعاته في البلاد وعاضده المزدغاني وزير دمشق وانتصر لهذه الطائفة وأقام بدمشق خليفة لبهرام إسمه أبو الوفاء فقوي أمره وكثر أتباعه واستبد على صاحبها تاج الملوك بن طغتكين ثم إن المزدغاني راسل الفرنج أن يملكهم دمشق على أن يعطوه صور وتواعدوا ليوم عينوه ودس للإسماعيلية أن يكونوا ذلك اليوم على أهبة ونمي الخبر إلى إسمعيل فخاف أن يثور به الناس فأعطى بانياس للفرنج وانتقل إليهم ومات سنة أربع وعشرين وكان للإسماعيلية قلاع في تلك الجهات تتصل بعضها ببعض أعظمها قلعة مصيات فسار صلاح الدين لما ملك الشام سنة اثنتين وسبعين إليها وحاصر مصيات وضيق حصارها وبعث سنان مقدم الإسماعيلية إلى خال صلاح الدين بحماة وهو شهاب الدين الحمادي أن يسأل صلاح الدين في الصلح معهم ويتهددونه على ذلك سرا فسار إلى صلاح الدين وأصلح أمرهم عنده ورحل عنهم.

.بقية الخبر عن قلاع الاسماعيلية بالعراق.

ولم تزل قلاع هؤلاء الإسماعيلية بالعراق عشا لهذه الغواية وسفطا لهؤلاء الخباث منذ ثار بها أحمد بن غطاش والحسن بن الصباح وكان لهذا الحسن مقالات في مذاهب الرافضة غريقة في الغلو داخلة من باب الكفر وتسميها الرافضة المقالات الجديدة ولا يدين بقبولها إلا الغلاة منهم وقد ذكرها الشهرستاني في كتاب الملل والنحل فعليك به إن أردت معرفتها وبقي الملوك يقصدونهم بالجهاد لما اشتهر عنهم من الضرر بالاغتيال ولما افترق أمر السلجوقية واستبد ايتغمس بالري وهمذان سار إليهم سنة ثلاث وستمائة إلى قلاعهم المجاورة لقزوين فحاصرها وفتح منها خمس قلاع واعتزم على حصار قلعة الموت فعرض له ما شغله عن ذلك ثم زحف إليهم جلال الدين منكبرتي بن علاء الدين خوارزم شاه عندما رجع من الهند وملك بلاد أذربيجان وأرمينية فقتلوا بعض أمرائه بمثل قتلهم فسار إلى بلادهم ودوخ نواحي الموت وقد مر ذكره وقلاعهم التي بخراسان خربها واستباحها قتلا ونهبا وكانوا منذ ظهر التتر قد شرهوا على الجهات فأوقع بهم جلال الدين هذه الواقعة سنة أربع وعشرين وستمائة وكفحهم عما سموا إليه من ذلك ولما استفحل أمر التتر سار هولاكو أعوام الخمسين والستمائة من بغداد وخرب قلاعهم وزحف الظاهر بعد ذلك إلى قلاعهم التي بالشام فخرب كثيرا منها وطوع ما بقي منها وصارت مصيات وغيرها في طاعته وانقرض أمرهم إلا مغتالين يستعملهم الملوك في قتل أعدائهم على البعد غدرا ويسمون الفداوية أي الذين يأخذون فدية أنفسهم على الإستماتة في مقاصد من يستعملهم والله وارث الأرض ومن عليها.

.الخبر عن دولة بني الأخيضر باليمامة من بني حسن.

كان موسى الجون بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن السبط لما اختفى أخواه محمد وإبراهيم طالبه أبو جعفر المنصور بإحضارهما فضمن له ذلك ثم اختفى وعثر عليه المنصور فضربه ألف سوط فلما قتل أخوه محمد المهدي بالمدينة اختفى موسى الجون إلى أن هلك وكان من عقبه إسماعيل وأخوه محمد الأخيضر إبنا يوسف بن إبراهيم بن موسى فخرج إسمعيل في أعراب الحجاز وتسمى السفاك سنة إحدى وخمسين ومائتين ثم قصد مكة فهرب عاملها جعفر بسباسات وانتهب منزله ومنازل أصحاب السلطان وقتل جماعة من الجند وأهل مكة وأخذ ما كان حمل للإصلاح من المال وما في الكعبة وخزائنها من الذهب والفضة وأخذ كسوة الكعبة وأخذ من الناس نحوا من مائتي ألف دينار ثم نهبها وأخرق بعضها بعضا وأقام في ذلك خمسين يوما ثم سار إلى المدينة فتوارى عاملها وحاصرها حتى مات أهلها جوعا ولم يصل أحد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصل عساكر المعتز إلى المدينة فأفرج عنها ورجع إلى مكة وحاصرها حتى جهدها الحصار ورحل بعد مقامة شهرين إلى جدة فاخذ أموال التجار ونهب ما في مراكبهم ورجع إلى مكة وقد وصل إليها محمد بن عيسى بن المنصور وعيسى بن محمد المخزومي بعثهما المعتز لقتاله فتواقعوا بعرفة واقتتلوا وقتل من الحاج نحو ألف وسلبوا الناس وهربوا إلى مكة وبطل الموقف إلا إسماعيل وأصحابه وخطب لنفسه ثم رجع إلى جدة واستباحوها ثانية ثم هلك لسنة من خروجه بالجدري آخر سنة اثنتين وخمسين أيام حرب المستعين والمعتز وكان يتردد بالحجاز مند اثنتي وعشرين سنة ومات ولم يعقب وولي مكانه أخوه محمد الأخيضر وكان أسن منه بعشرين سنة ونهض إلى اليمامة فملكها واتخذ قلعة الحصرمية وكان له من الولد محمد وإبراهيم وعبد الله ويوسف وهلك فولي بعده ابنه يوسف وأشرك ابنه إسماعيل معه في الأمر مدة حياته ثم هلك وانفرد إسمعيل بملك اليمامة وكان له من الأخوة الحسن وصالح ومحمد بنو يوسف فلما هلك إسماعيل ولي من بعده أخوه الحسن وبعده ابنه أحمد بن الحسن ولم يزل ملكها فيهم إلى أن غلب عليهم القرامطة وانقرض أمرهم والبقاء لله وكان بمدينة غانة من بلاد السودان بالمغرب مما يلي البحر المحيط ملك بني صالح ذكرهم صاحب كتاب زجار في الجغرافيا ولم نقف على نسب صالح هذا من خبر يعول عليه وقال بعض المؤرخين أنه صالح بن عبد الله بن موسى بن عبد الله الملقب أبا الكرام بن موسى الجون وأنه خرج أيام المأمون بخراسان وحمل إليه وحبسه وابنه محمد من بعده ولحق بنوه بالمغرب فكان لهم ملك في بلد غانة ولم يذكر ابن حزم في أعقاب موسى الجون صالحا هذا بهذا النسب ولعله صالح الذي ذكرناه آنفا في ولد يوسف بن محمد الأخيضر والله أعلم.